سورة طه - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)}
{وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} غاية للأدعية الثلاثة الأخيرة فإن فعل كل واحد منهما من التسبيح والذكر مع كونه مكثرًا لفعل الآخر ومضاعفًا له بسبب انضمامه إليه مكثر له في نفسه أيضًا بسبب تقويته وتأييده إذ ليس المراد بالتسبيح والذكر ما يكون منهما بالقلب أو في الخلوات حتى لا يتفاوت حاله عند التعدد والانفراد بل ما يكون منهما في تضاعيف أداء الرسالة ودعوة المردة العتاة إلى الحق وذلك مما لا ريب في اختلاف حالة في حالتي التعدد والانفراد فإن كلًا منهما يصدر عنه بتأييد الآخر من إظهار الحق ما لا يكاد يصدر عنه مثله حال الانفراد، و{كَثِيرًا} في الموضعين نعت لمصدر محذوف أو زمان محذوف أي ننزهك عما لا يليق بك من الصفات والأفعال التي من جملتها ما يدعيه فرعون الطاغية ويقبله منه فئته الباغية من الشركة في الألوهية ونصفك بما يليق بك من صفات الكمال ونعوت الجمال والجلال تنزيهًا كثيرًا ووصفًا كثيرًا أو زمانًا كثيرًا من جملته زمان دعوة فرعون وأوان المحاجة معه كذا في إرشاد العقل السليم.
وجوز أبو حيان كونه منصوبًا على الحال أي نسبحك التسبيح في حال كثرته، وكذا يقال في الأخير وليس بذاك، وتقديم التسبيح على الذكر من باب تقديم التخلية على التحلية، وقيل: لأن التشبيح تنزيه عما يليق ومحله القلب والذكر ثناء بما يليق ومحله اللسان والقلب مقدم على اللسان، وقيل: إن المعنى كي نصلي لك كثيرًا ونحمدك ونثني عليك كثيًا بما أوليتنا من نعمك ومننت به علينا من تحمل رسالتك، ولا يخفى أنه لا يساعده المقام.


{إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)}
{إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا} عالمًا بأحوالنا وبأن ما دعوتك به مما يصلحنا ويفيدنا في تحقيق ما كلفته من إقامة مراسم الرسالة وبأن هرون نعم الردء في أداء ما أمرت به، والباء متعلقة ببصيرًا قدمت عليه لمراعاة الفواصل، والجملة في موضع التعليل للمعلل الأول بعد اعتبار تعليله بالعلة الأولى، وروى عبد بن حميد عن الأعمش أنه سكن كاف الضمير في المواضع الثلاثة، وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ثل هذا الدعاء إلا أنه أقام عليًا كرم الله تعالى وجهه مقام هرون عليه السلام، فقد أخرج ابن مردويه. والخطيب. وابن عساكر عن أسماء بن عميس قالت: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بإزاء ثبير وهو يقول أشرق ثبير أشرق ثبير اللهم إني أسألك مما أسألك أخي موسى أن تشرح لي صدري وأن تيسر لي أمرى وأن تحل عقدة من لساني يفقه قولي واجعل لي وزيرًا من أهلي عليًا أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرًا ونذكرك كثيرًا إنك كنت بنا بصيرًا» ولا يخفى أنه يتعين هنا حمل الأمر على الإرشاد والدعوة إلى الحق ولا يجوز حمله على النبوة، ولا يصح الاستدلال بذلك على خلافة علي كرم الله تعالى وجهه بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل.
ومثله فيما ذكر ما صح من قوله عليه الصلاة والسلام له حين استخلفه في غزوة تبوك على أهل بيته: «أما ترضى أن تكون مني نزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» كما بين في التحفة الإثني عشرية، نعم في ذلك من الدلالة على مزيد فضل علي كرم الله تعالى وجهه ما لا يخفى، وينبغي أيضًا أن يتأول طلبه صلى الله عليه وسلم حل العقدة بنحو استمرار ذلك لما أنه عليه الصلاة والسلام كان أفصح الناس لسانًا.


{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)}
{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى موسى} أي قد أعطيت سؤلك ففعل عنى مفعول كالخبز والأكل عنى المخبوز والمأكول، والإيتاء عبارة عن تعلق إرادته تعالى بوقوع تلك المطالب وحصولها له عليه السلام البتة وتقديهر تعالى إياها حتمًا فكلها حاصلة له عليه السلام وإن كان وقوع بعضها بالفعل مرتبًا بعد كتيسير الأمر وشد الأزر وباعتباره قيل: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص: 35] وظاهر بعض الآثار يقتضي أن شركة هرون عليه السلام في النبوة أي استنبائه كموسى عليه السلام وقعت في ذلك المقام وإن لم يكن عليه السلام فيه مع أخيه، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في قوله: {وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى} [طه: 32] نبىء هرون ساعتئذ حين نبىء موسى عليهما السلام، ونداؤه عليه السلام تشريف له بالخطاب إثر تشريف.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14